فصل: تفسير الآيات (6- 11):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: لباب التأويل في معاني التنزيل المشهور بـ «تفسير الخازن» (نسخة منقحة).



.تفسير الآيات (62- 66):

{وَلَا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (62) وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (63) إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (64) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ (65) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (66)}
{ولا يصدنكم} أي لا يصرفنكم {الشيطان} أي عن دين الله الذي أمر به {إنه} يعني الشيطان {لكم عدو مبين ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة} أي بالنبوة {ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه} أي من أحكام التوراة وقيل من اختلاف الفرق الذين تحزبوا في أمر عيسى وقيل الذي جاء به عيسى الإنجيل وهو بعض الذي اختلفوا فيه فبين لهم عيسى في غير الإنجيل ما احتاجوا إليه {فاتقوا الله وأطيعون} أي فيما آمركم به {إن الله هو ربي وربكم فاعبد وه هذا صراط مستقيم فاختلف الأحزاب من بينهم} أي اختلف الفرق المتحزبة بعد عيسى {فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم هل ينظرون} أي ينتظرون {إلا الساعة أن تأتيهم بغتة} أي فجأة والمعنى أنها تأتيهم لا محالة {وهم لا يشعرون}.

.تفسير الآيات (67- 71):

{الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67) يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (68) الَّذِينَ آَمَنُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ (69) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (71)}
{الأخلاء} أي على الكفر والمعصية في الدنيا {يومئذ} يعني يوم القيامة {بعضهم لبعض عدو} أي إن الخلة إذا كانت كذلك صارت عداوة يوم القيامة {إلا المتقين} أي إلا الموحدين المتحابين في الله عز وجل المجتمعين على طاعته، روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في الآية قال: «خليلان مؤمنان وخليلان كافران مات أحد المؤمنين فقال يا رب إن فلاناً كان يأمرني بطاعتك وطاعة رسولك صلى الله عليه وسلم ويأمرني بالخير وينهاني عن الشر ويخبرني أني ملاقيك يا رب فلا تضله بعدي واهده كما هديتني وأكرمه كما أكرمتني فإذا مات خليله المؤمن جمع بينهما فيقول ليثن كل منكما على صاحبه فيقول نعم الأخ ونعم الخليل ونعم الصاحب، قال ويموت أحد الكافرين فيقول رب إن فلاناً كان ينهاني عن طاعتك وطاعة رسولك ويأمرني بالشر وينهاني عن الخير ويخبرني أني غير ملاقيك فيقول ليثن كل منكما على صاحبه فيقول بئس الأخ وبئس الخليل وبئس الصاحب».
قوله عز وجل: {يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون} قيل إن الناس حين يبعثون ليس أحد منهم إلا فزع فينادي مناد يا عبادي لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون فيرجوها الناس كلهم فيتبعها {الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين} فييأس الناس كلهم غير المسلمين فيقال لهم {ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون} أي تسرون وتنعمون {يطاف عليهم بصحاف من ذهب} جمع صحفة وهي القصعة الواسعة {وأكواب} جمع كوب وهو إناء مستدير بلا عروة {وفيها} أي في الجنة {ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين} عن عبد الرحمن بن سابط قال: قال رجل: يا رسول الله هل في الجنة خيل فإني أحب الخيل قال: «إن يدخلك الله الجنة فلا تشاء أن تركب فرساً من ياقوتة حمراء فتطير بك في أي الجنة شئت إلا فعلت وسأله آخر فقال يا رسول الله هل في الجنة من إبل فإني أحب الإبل قال فلم يقل ما قال لصاحبه فقال إن يدخلك الله الجنة يكن لك فيها ما اشتهت نفسك ولذت عينك» أخرجه الترمذي {وأنتم فيها خالدون}.

.تفسير الآيات (72- 81):

{وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (72) لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ (73) إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (74) لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (75) وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (76) وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77) لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (78) أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (79) أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (80) قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (81)}
{وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون لكم فيها فاكهة كثيرة منها تأكلون} ورد في الحديث «أنه لا ينزع أحد في الجنة من ثمرها ثمرة إلا نبت مكانها مثلاها» قوله تعالى: {إن المجرمين} يعني المشركين {في عذاب جهنم خالدون لا يفتر عنهم} أي لا يخفف عنهم {وهم فيه مبلسون} أي آيسون من رحمة الله تعالى: {وما ظلمناهم} أي وما عذبناهم بغير ذنب {ولكن كانوا هم الظالمين} أي لأنفسهم بما جنوا عليها {ونادوا يا مالك} يعني يدعون مالكاً خازن النار يستغيثون به فيقولون {ليقض علينا ربك} أي ليمتنا بل لنستريح والمعنى توسلوا به ليسأل الله تعالى لهم الموت فيجيبهم بعد ألف سنة قاله ابن عباس، وقيل بعد مائة سنة، وروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: «إن أهل النار يدعون مالكاً فلا يجيبهم أربعين عاماً ثم يرد عليهم» {قال إنكم ماكثون} قال هانت والله دعوتهم على مالك وعلى رب مالك ومعنى ماكثون مقيمون في العذاب {لقد جئناكم بالحق} يقول أرسلنا إليكم يا معشر قريش رسولنا بالحق {ولكن أكثركم للحق كارهون أم أبرموا أمراً} أي أحكموا أمراً في المكر بالرسول صلى الله عليه وسلم {فإنا مبرمون} أي محكمون أمراً في مجازاتهم إن كاد شراً كدتهم بمثله {أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم} أي ما يسرونه من غيرهم ويتناجون به بينهم {بلى} نسمع ذلك كله ونعلمه {ورسلنا} يعني الحفظة من الملائكة {لديهم يكتبون} قوله عز وجل: {قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين} معناه إن كان للرحمن ولد في قولكم وعلى زعمكم فأنا أول من عبد الرحمن فإنه لا شريك له ولا ولد له، وقال ابن عباس: إن كان أي ما كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين الشاهدين له بذلك. وقيل: معناه لو كان للرحمن ولد فأنا أول من عبد ه بذلك ولكن لا ولد له، وقيل: العابدين بمعنى الآنفين أي أنا أول الجاحدين المنكرين لما قلتم وأنا أول من غضب للرحمن أن يقال له ولد. وقال الزمخشري في معنى الآية: إن كان للرحمن ولد وصح وثبت ببرهان صحيح توردونه وحجة واضحة تدلون بها فأنا أول من يعظم ذلك الولد وأسبقكم إلى طاعته كما يعظم الرجل ولد الملك لتعظيم أبيه وهذا كلام وارد على سبيل الفرض والتمثيل لغرض وهو المبالغة في نفي الولد والإطناب فيه مع الترجمة عن نفسه بثبات القدم في باب التوحيد وذلك أنه علق العبادة بكينونة الولد وهي محال في نفسها فكان المعلق عليها محالاً مثلها ثم نزه نفسه عن الولد.

.تفسير الآيات (82- 88):

{سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (82) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (83) وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84) وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (85) وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (86) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (87) وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ (88)}
{سبحان رب السموات والأرض رب العرش عما يصفون} أي عما يقولونه من الكذب {فذرهم يخوضوا} أي في باطلهم {ويلعبوا} أي في دنياهم {حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون} يعني يوم القيامة {وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله} يعني هو الإله الذي يعبد في السماء وفي الأرض لا إله إلا هو {وهو الحكيم} يعني في تدبير خلقه {العليم} يعني بمصالحهم {وتبارك الذي له ملك السموات والأرض وما بينهما وعنده علم الساعة وإليه ترجعون ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة} قيل سبب نزولها أن النضر بن الحارث ونفراً معه قالوا إن كان ما يقول محمد حقاً فنحن نتولى الملائكة فهم أحق بالشفاعة من محمد صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية وأراد بالذين يدعون من دونه آلهتهم ثم استثنى عيسى وعزيراً والملائكة بقوله: {إلا من شهد بالحق} لأنهم عبد وا من دون الله ولهم شفاعة وقيل المراد بالذين يدعون من دونه عيسى وعزير والملائكة فإن الله تعالى لا يملك لأحد من هؤلاء الشفاعة إلا لمن شهد بالحق وهي كلمة الإخلاص وهي لا إله إلا الله فمن شهدها بقلبه شفعوا له وهو قوله: {وهم يعلمون} أي بقلوبهم ما شهدوا به بألسنتهم وقيل يعلمون أن الله عز وجل خلق عيسى وعزيراً والملائكة ويعلمون أنهم عباده {ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله} يعني أنهم إذا أقروا بأن الله خالق العالم بأسره فكيف قدموا عبادة غيره {فأنى يؤفكون} يعني يصرفون عن عبادته إلى غيره {وقيله يا رب} يعني قوله محمد صلى الله عليه وسلم شاكياً الله ربه يا رب {إن هؤلاء قوم لا يؤمنون} قال ابن عباس: شكا إلى الله تعالى تخلف قومه عن الإيمان، وقال قتادة: هذا نبيكم يشكو قومه إلى ربه.

.تفسير الآية رقم (89):

{فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (89)}
{فاصفح عنهم} يعني أعرض عنهم وفي ضمنه منعه من أن يدعو عليهم بالعذاب {وقل سلام} معناه المتاركة، وقيل معناه قل خيراً بدلاً من شرهم {فسوف يعلمون} يعني عاقبة كفرهم وفيه تهديد لهم وقيل معناه يعلمون أنك صادق، قال مقاتل: نسختها آية السيف والله تعالى أعلم.

.سورة الدخان:

.تفسير الآيات (1- 5):

{حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5)}
قوله عز وجل: {حم والكتاب المبين} يعني المبين ما يحتاج الناس إليه من حلال وحرام وغير ذلك من الأحكام {وإنا أنزلناه في ليلة مباركة} قيل هي ليلة القدر أنزل الله تعالى فيها القرآن جملة من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا ثم نزل به جبريل نجوماً على حسب الوقائع في عشرين سنة، وقيل هي ليلة النصف من شعبان عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الله تبارك وتعالى ينزل ليلة النصف من شعبان إلى سماء الدنيا فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم بني كلب» أخرجه الترمذي. {إنا كنا منذرين} أي مخوفين عقابنا {فيها} أي في تلك الليلة المباركة {يفرق} أي يفصل {كل أمر حكيم} أي محكم، قال ابن عباس: يكتب من أم الكتاب في ليلة القدر ما هو كائن في السنة من الخير والشر والأرزاق والآجال حتى الحجاج يقال: يحج فلان ويحج فلان وقيل هي ليلة النصف من شعبان يبرم فيها أمر السنة وينسخ الأحياء من الأموات، وروى البغوي بسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تقطع الآجال من شعبان إلى شعبان حتى إن الرجل لينكح ويولد له وقد خرج اسمه في الموتى» وعن ابن عباس «إن الله يقضي الأقضية في ليلة النصف من شعبان ويسلمها إلى أربابها في ليلة القدر» {أمراً} أي أنزلنا أمراً {من عندنا إنا كنا مرسلين} يعني محمداً صلى الله عليه وسلم ومن قبله من الأنبياء.

.تفسير الآيات (6- 11):

{رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (6) رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (7) لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (8) بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ (9) فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (11)}
{رحمة من ربك} قال ابن عباس رأفة مني بخلقي ونعمة عليهم بما بعثنا إليهم من الرسل وقيل أنزلناه في ليلة مباركة رحمة من ربك {إنه هو السميع} أي لأقوالهم {العليم} أي بأحوالهم {رب السموات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين} أي إن الله رب السموات والأرض وما بينهما {لا إله إلا هو يحيي ويميت ربكم ورب آبائكم الأولين} قوله تعالى: {بل هم في شك} أي من هذا القرآن {يلعبون} أي يهزؤون به لاهون عنه {فارتقب} أي يا محمد {يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم}.
(ق) عن مسروق قال: كنا جلوساً عند عبد الله بن مسعود وهو مضطجع بيننا فأتاه رجل فقال يا أبا عبد الرحمن إن قاصاً عند باب كندة يقص ويزعم أن آية الدخان تجيء فتأخذ بأنفاس الكفار ويأخذ المؤمنين منها كهيئة الزكام فقام عبد الله وجلس وهو غضبان فقال يا أيها الناس اتقوا الله من علم منكم شيئاً فليقل به ومن لا يعلم شيئاً فليقل الله أعلم فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم الله أعلم فإن الله عز وجل قال لنبيه صلى الله عليه وسلم «قل ما أسالكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين» «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى من الناس إدباراً قال اللهم سبعاً كسبع يوسف» وفي رواية «لما دعا قريشاً فكذبوه واستعصوا عليه قال: اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف» فأخذتهم سنة حصت كل شيء حتى أكلوا الجلود والميتة من الجوع وينظر أحدهم إلى السماء فيرى كهيئة الدخان فأتاه أبو سفيان فقال يا محمد إنك جئت تأمر بطاعة الله وبصلة الرحم وإن قومك قد هلكوا فادع الله لهم قال الله عز وجل: {فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين} إلى قوله: {عائدون} قال عبد الله فيكشف عذاب الآخرة يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون فالبطشة يوم بدر.

.تفسير الآيات (12- 16):

{رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12) أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (13) ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (14) إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ (15) يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (16)}
{ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون} فقيل له إن كشفناه عنهم عادوا فدعا ربه فكشف عنهم فعادوا فانتقم الله منهم يوم بدر فذلك قوله تعالى: {فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين} إلى قوله: {إنا منتقمون} قوله حصت كل شيء بالحاء والصاد المهملتين أي أهلكت واستأصلت كل شيء.
(ق) عن عبد الله بن مسعود قال: خمس قد مضين اللزام والروم والبطشة والقمر والدخان قيل أصابهم من الجوع كالظلمة في أبصارهم وسبب ذلك أن في سنة القحط العظيم تيبس الأرض بسبب انقطاع المطر ويرتفع الغبار ويظلم الهواء والجو وذلك يشبه الدخان وقيل هو دخان يجيء قبل قيام الساعة ولم يأت بعد فيدخل في أسماع الكفار والمنافقين حتى يكون الرجل رأسه كالرأس الحنيذ يعني المشوي ويعتري المؤمن منه كهيئة الزكام وتكون الأرض كلها كبيت أوقد فيه، وهو قول ابن عباس وابن عمر والحسن يدل عليه ما روى البغوي بإسناد الثعلبي عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أول الآيات الدخان ونزول عيسى ابن مريم ونار تخرج من قعر عدن أبين تسوق الناس إلى المحشر تقيل معهم إذا قالوا قال حذيفة: يا رسول الله وما الدخان؟ فتلا هذه الآية: {يوم تأتي السماء بدخان مبين} يملأ ما بين المشرق والمغرب يمكث أربعين يوماً وليلة أما المؤمن فيصيبه منه كهيئة الزكام وأما الكافر فكمنزلة السكران يخرج من منخريه وأذنيه ودبره» {أنى لهم الذكرى} أي كيف يتذكرون ويتعظون بهذه الحالة {وقد جاءهم رسول مبين} معناه وقد جاءهم ما هو أعظم وأدخل في وجوب الطاعة وهو ما ظهر على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم من المعجزات الظاهرات والآيات البينات الباهرة {ثم تولوا عنه} أي أعرضوا عنه {وقالوا معلم} أي يعلمه بشر {مجنون} أي تلقي إليه الجن هذه الكلمات حال ما يعرض له الغشي {إنا كاشفوا العذاب} أي الجوع {قليلاً} أي زمناً يسيراً قيل إلى يوم بدر {إنكم عائدون} أي إلى كفركم {يوم نبطش البطشة الكبرى} هو يوم بدر {إنا منتقمون} أي منكم في ذلك اليوم، وهو قول ابن مسعود وأكثر العلماء وفي رواية عن ابن عباس أنه يوم القيامة.